العمل الابداعي
بكافة مفاصله يعني القدرة على التعبير والابتكار والتصوير الذي يحقق وجوده
ويؤسس لنا كاتبه
فضاءات حالمة .. وهو بهذا يسعى لتحقيق المتعة والمنفعة لذات المتلقي ..
وانطلاقاُ من العنوان
الموسوم (هذيان الرسائل)
يضعنا الكاتب امام تقنية سنطالع مدياتها الرحبة اثناء دخولنا لتلك الرسائل
والتي ابتعد فيها
عن الانشائية بمزج جماليات اللغة والتجربة الوجدانية ..
(((رسالة الى سيده
يمنعني الليل ان
ابوح بأسمها
لن ارسلها اليها
ربما اودعها الرفوف
المنسيه
فالنجم يسترق السمع
والقمر لا يبالي بما اقول)))
كينونة النص هنا
تستقل عوالم ليست بالارضية ويكاد ينفلت من منطقة الظل ليعلن حضوره عبر حاضر راهن برمزية
فعالة ومحسوبة النتائج والذي بدوره اطر متن النص .. اذ الحاضر زمن متداخل تصوغه الاحداث
على حد تعبير افلاطون ..
(((فالاحرف المتراكمه
يطول البحث فيها عن أمل في مأساة تعلمينها
واماني تضمحل تكاد
ترجو اتفه الاشياء
ارادة ان تنزف
الدمع بكاء
توقف الوجع في
الاحشاء وتقطع عنه الوريد
ربما يذبل الزرع
في انقطاع الساقيه
واحتطب الاجمه
التي تقيد يديا
وحرارة المعاناة
تحولت الى برودة اللامبالاة
تغرز خناجرها في
القلب وتقطع حبال الامل
والخيالات الراحلة
هي الصدى العائد من سحاب
لا ماء فيه
والحروف تذبل على
اوراق عمري وهي تمور في فقدان كل يوم جديد)))
فالنص ابتداءا
من عتبته العنوانية (هذيان الرسائل) .. الايقونة الدالة على قصدية يكشف عنها السياق
.. فهي الرسائل الموجهة لتلك المرأة التي تنتهي اليها معظم الاحداث والتي تُشعِرُ متلقيها
انه امام سيرة شخصية تحاول بحرفية ترقى الى رمز ادبي يشكل محور الحدث .. فضلا عن انها
تحمل في طياتها الدهشة والتساؤل مع تنوع يجر متلقيها صوب ادب الرحلات .. انه استعارة
رمزية للتجربة الانسانية المؤطرة بأطار انساني موجع ..
استخدامات الشاعر
الرمزية التي طغت على كلية النص تجعلنا امام مفترقات طرق عديدة وتأويلات تنتقل بالمتلقي
للسفر عِبر عوالم ارتادها ذات المتكلم وبهذا تشكلت لدينا علامات يكاد ناظرها يفسر الماء
بالجهد وهي عملية تشبه بتسلق مستحيلات ليس لصعوبتها بل لحتمية نهايتها المعلنة .
(((وجلدي البالي
كمعطفي تمزق الوجه منه
وازراره ثنايا
انكمشت على ابتسامه لا معنى لها
وفي قلبي رجم متراكم
من الكتب لا قيمة لها
وفكري قد اغلق
الابواب على اشباحه
وتتجول حوله الاطياف
حراس على اسواره الطينيه)))
النص ينتقل بأحداث
استرجاعية اعتمدها الشاعر ضمن السياق الكلي المرتبط ومرجعية النص كونه مشتملا على عناصر
الخطاب .. فهو يجمع مابين عجائبية .. الاستثنائي والواقعي .. فضلا عن انه يرقى برمزيته
لاستيعاب الواقع المعاصر والذي يحاصره كلياً .. بمزج يخيل لنا كافعال درامية ..
(((وها انا ادفع
الاقلام على البكاء عني
ومعاناتي لا تبرح
طينتي
وهي تزداد قسوة
وتضع اغلالا فوق اغلال
الان ترسم صور
وهميه فوق صدري
كوشم ازرق ورتوش
وتماثيل للالم)))
القصدية كلما تضاعفت
كلما ازداد لدينا الحدث الفعلي بين مكونات موضوعة النص فدلالات الاقلام والطين والوشوم
كلها كانت ذات ايقاع متواتر تحت مسمى التدرج الناتج من عوامل حياتية تحمل بين طياتها
ألم الاسئلة التي اضاعت اجوبتها بدون طائل.
(((وفي هذه الرساله
ايتها السيده
لا يوجد مما كنتي
تضنين
وانتي ذاهبة الى
نفس المكان
تضنين بأن البرد
لا يذبل الورود
وانتي تقطعين الوصل
كماء عن جذور الرندة
عندما اغادر الغابه
وتفتشين الرفوف
المنسيه وتزيحين غبار الزمن لا تنظري الى مرآتي المحطمه
ففي الخلفيه هناك
تعلق معطفي البالي وبقايا من جلدي
وهذه الرسالة تقمصتها
الاشباح
فهي عزيف من الوداع
والدعاء للرحيل
لا تفتشي عن الاسم
المكنون لك ِ
لانني رحلة به
غيرة من السماء والنجوم)))
هنا يضعنا امام
راهن صادم لتسلسل الحدث ويضعنا والمرأة امام تساؤلات ربما هي اقرب للزمكانية فلو تمحصنا
جيداً الدلالات لوجدناها تنتقل بانسيابية ظاهرة المعالم وهي الرابط في ثيمة النص وكالتالي
المكان
الغابة
الرفوف
المرآة
المعطف
واخيراً هذه الرسالة
التي يطالعها المتلقي
تلك الانتقالات
التي عزفها بمهارة فائقة والتي حملت شحنات درامية فائقة التطور نسجت ضمن نسيج صوري
فائق الوضوح لتعلن امام المتلقي انك قد اشتركت في صناعة الحدث المروي وقد ساهمت فعلياً
في ايصال تلك الرسائل التي كان يعوزها الانطلاق لفضاء الحرية والتي اعادنا بها الشاعر
للمربع الاول .
أي انها مازالت
تحمل بين طياتها هذيان قد لا يحاسب عليه اطلاقاً كجرم مشهود.
النص يخاطب الوجدان
في رحلة الحياة ومحطاتها بلغة تخلق جوا من التفاعل اللاشعوري بين المتلقي والعبارة
..
وهذا يعني ان الكاتب
قد تعمد السير بخطين مترابطين هما: الوصف التصويري وتجسيد الواقع التخيلي..
وبذلك كانت (هذيان
الرسائل) تصويرا مشهدياً لذاتية المكان والانسان بتعبير جمالي شاعري يحرك الخزانة الفكرية
للمتلقي ..
-
فاضل الحلو